أحمد النجار (دبي)

المواطنة الشابة إلهام المرزوقي فتاة إماراتية تحترف العزف على «آلة التشيللو» مع أوركسترا محترفة، والوحيدة التي انضمت إلى الأوركسترا الوطنية في الدولة NSO، وكانت محظوظة بالعزف مع أندريا بوتشيللي، عازف التشيللو العالمي والمغني الأوبرالي والموسيقار الإيطالي الشهير، حيث لا تزال تعيش حرارة الفرحة منذ 2016 إلى هذه اللحظة، ومنتشية بمشاركتها كأول إماراتية تعزف مع هذا الفنان العالمي في حفل موسيقي بالإمارات.. وتسعى المرزوقي في رحلتها الموسيقية إلى صياغة مقطوعات تلامس قضايا إنسانية، من دون أن تخفي حماسها في إحياء مناسبات وطنية كجزء من رد الجميل، كما تسعد بتمثيل بلادها في محافل موسيقية عدة، لتنقل ثقافتها وتراثها بكل لغات العالم، كما تأمل أن ترى فتيات إماراتيات يحترفن العزف على «آلة التشيللو».

لغة عالمية
تتمتع إلهام بذائقة رفيعة، حيث تنهل من روح الموسيقى الكلاسيكية مثل موسيقى العصر الباروكي، والعصر الرومانسي، وتحلق طويلاً مع موسيقى « يوهان باخ»، وتطير بعيداً مع «رخمانينوف»، وتسرح بخيالها في عالمٍ آخر مع «كاميل سان سانز»، وفي الوقت نفسه، تشجع أعمال الملحنين في الإمارات لدمج الثقافات الموسيقية، معتبرة أن الموسيقى لغة مخملية يفهمها جميع البشر، وجسر حضاري يربط الشعوب قديماً وحديثاً ومستقبلاً بالثقافة العالمية.
وقالت المرزوقي: «إنها تعيش علاقة حب مع البيانو والتشيللو تمتد منذ الطفولة، وتحسبهما أقرب صديقين لها، كما تعتبرهما عينيها اللتين ترى بهما الأشياء والأشخاص والحياة برؤية شاعرية وفلسفة جمالية، فمنذ تسللت موسيقى التيشللو إلى روحها، كانت فكرة احتراف العزف مع الأوركسترا حاضرة في وجدانها، ولطالما حلمت بالمشاركة مع عدد من الموسيقيين المحترفين للعزف وإبداع أجمل الألحان».

تأثير باخ
إلهام التي درست القانون باللغة الإنجليزية في لندن، اكتشفت أنها تمتلك موهبة في العزف منذ طفولتها، وأرجعت الفضل في ذلك إلى والدتها التي اكتشفت هذه الموهبة في داخلها، وصقلتها بالتشجيع والدعم، خاصة أنها بالأصل موسيقية محترفة، كما أن الموسيقار العظيم باخ كان له تأثير كبير على اختيارها لآلة التشيللو، خاصة أنها أول إماراتية تعزف على هذه الآلة الرائعة مع الأوركسترا من العنصر النسائي في الإمارات. وأضافت المرزوقي أنها عاشت وسط بيئة موسيقية ملهمة وترعرعتُ على يد والدتها بوصفها محترفة العزف على آلات مختلفة، وتتمتع بخبرة وذائقة وثقافة موسيقية عالية، معتبرة أن موهبتها لم تأت من فراغ، فقد تتلمذتُ منذ الصغر على الإصغاء الجيد للموسيقى وتذوقها وفهم معانيها الخفية.

أم ملهمة
إلهام التي تعمل حالياً في مجال صناعة الترفيه والفن والموسيقى تحت مظلة القانون، تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية، وتعتبر أمها مدرستها الملهمة التي أثرت ولا تزال تؤثر في وجدانها وتمنحها الكثير من الترف الإبداعي للتحليق في فضاءات موسيقية جميلة، كما تصنف نفسها بأنها أول فتاة إماراتية تحترف العزف على آلة التشيللو مع أوركسترا محترفة، وتعتبر ذلك أكبر تحدٍ واجهته، حيث وجدت صعوبة إدخال آلة أجنبية أو غير معهودة أو معروفة ودمجها في مجتمعنا العربي الأصيل، والجميل أنها تحدت نفسها بألاّ تكتفي بالمشاركة مع الأوركسترا وإنما بالتفوق والتميز في العزف المنفرد.

نكهة والت ديزني
ولم يفت المرزوقي الحديث عن الإنجازات التي حققتها في مجال العزف على التشيللو، حيث تفخر بتقديمها العشرات من الحفلات داخل وخارج الإمارات، وأكدت أنها الإماراتية الوحيدة التي انضمت إلى الأوركسترا الوطنية في الدولة NSO، كما شاركت في حفلات موسيقية في بريطانيا العظمى ودولة البحرين الشقيقة، وكذلك العديد من النشاطات الاجتماعية والتطوعية، خاصة مع الأطفال المرضى في المستشفيات وأطفال التوحد، وغيرها من المشاركات المجتمعية البناءة، كما قامت بالمشاركة بالعزف في حفلٍ بهيج وملون بنكهة والت ديزني باسم «Froze»، وأيضاً شاركت مع «مجموعة دبي للمغنيين»، والكثير من ورش العمل الموسيقية مع هيئة الثقافة والفنون، وكذلك أوركسترا الحجرة في دبي.

موهبة بالفطرة
لدى المرزوقي أهداف موسيقية مرسومة، ترمي من خلالها إلى نشر ثقافة الموسيقى الكلاسيكية الاحترافية، وتشجيع المواهب الفنية في الدولة، وفي العالم ككل، وأن تصبح بلدها الإمارات رائدة في هذا المجال عالمياً، وهي تمتلك فلسفة خاصة تسعى إلى تجويدها عبر الأوتار لتصوغ منها أروع القصص والمشاعر الإنسانية، وترفض تأطير العزف على آلة معينة، تحت لافتة «هواية»، فموهبة العزف لا تشبه أي هواية أخرى، فهي في نظرها إما موهبة ربانية خُلِقت مع الإنسان بالفطرة، فيعزف سماعياً أي بلا معلم وكأن الموسيقى جزء من روحه تجري في عروقه، وإما أن يكون ذات ميول فنية، وبالتالي يصقل موهبته ليصبح احترافاً، وهذا الأمر يتفاوت من شخص لآخر وفقاً لجهوده وتفانيه في التدريب.

قضايا إنسانية
وتؤمن المرزوقي أن الموسيقى لغة مخملية تحاكي جميع القضايا الإنسانية، ولذلك تحلم بأن تصوغ بعزفها رسائل ثقافية وحضارية وتضيء على قضايا إنسانية، ولا تدخر فرصة في التفاعل بحماس لتعزف في كل مكان يحتضن مبادرة وطنية، ليكون أداؤها إهداء لوطنها الحبيب، وهي تشعر بكل فخر ومسؤولية بأنها أول عازفة تشيللو إماراتية. وتطمح إلهام إلى أن ترى العديد من الفتيات الإماراتيات يسرن على خطاها في تعلم آلة التشيللو بطريقة احترافية لرفع راية الإمارات عالياً في هذا المجال الموسيقي بشكل عام.

مستقبل موسيقي مشرق
على الرغم من أن موسيقى التشيللو لا يزال فناً جديداً في الإمارات، إلا أن المرزوقي تراهن على تعزيز حضورها الموسيقي من خلال مشاركاتها في فعاليات مختلفة، مشيرة إلى أهمية «آلة التشيللو» لكونها من أقدم الآلات الموسيقية، حتى أنها أقدم من آلة البيانو بعشرات السنين، لذلك فهي تستحق تسليط الضوء عليها، لدمج ماضينا العريق بحاضرنا، والمضي معاً نحو مستقبل موسيقي مشرق، ينافس دول العالم، بل ويعتلي الصدارة عن جدارة.